محرر صفحة أيام من العمر.. أبعث إليك هذه الرسالة بعد أن شجعتني صديقتي المخرج المنفذ بالتليفزيون/ غادة- جزاها الله وجزاك عنا كل خير- علي ارسالها اليك بعد اتصالها بك تليفونياً وإثارتها معك بعض المشكلات التي تواجه الكفيفات.. ورغبتك الصادقة في مساعدة تلك الفئة.
فأنا فتاة عمري 28 عاماً حاصلة علي ليسانس آداب- قسم اجتماع دراسات عليا في الدراسات العربية الاسلامية.. واستعد لتحضير رسالة الماجستير ان شاء الله.. وملتزمة دينياً وأخلاقياً والحمدلله.. والدي متوفي ولي خسمة أشقاء.. أربعة منهم متزوجون.. وأعيش مع والدتي المسنة.. وأختي الكبري 43 عاماً.. والتي حصلت علي شهادة الابتدائية فقط رغم رغبتها باتمام تعليمها ولكن الظروف حالت دون ذلك بسبب كف بصرها فجأة دون أسباب منطقية أو وراثية.. بناءً علي تقرير الأطباء.. وكذلك تعرضت أنا أيضاً لضعف تدريجي في بصري وأنا في الرابعة عشرة من عمري بعد انتهائي من المرحلة الاعدادية.. وأدي ذلك إلي كف البصر بالكامل في الثانوية العامة.. فلا أري سوي الضوء وبعض الخيالات.. وتقبلنا أنا وأختي هذا الأمر بنفس راضية وحمدنا الله علي نعمته.. وأصررت علي إتمام تعليمي الثانوي في المنزل.. وفقني الله تعالي بمجموع مرتفع أهلني لاتمام تعليمي الجامعي.
قد تسألني عن المشكلة التي أعاني منها الآن.. بعد ان أكرمني الله تعالي وأتممت تعليمي؟؟ وأقول لك إنها ليست مشكلة كف البصر.. فنحن والحمدلله نشعر بالرضا والسلام النفسي.. لكن المشكلة تكمن في نظرة وأسلوب تعامل المجتمع معنا.. فهو لا ينظر لهذه الفئة علي أنهم بشر أسوياء وان كف البصر هذه إرادة الله تعالي.. ولا صلة له بذكائنا وقدراتنا في الحياة.. بل يعتقد أننا فئة ليس لها ولا ينبغي ان يكون لها دور بالأسرة والمجتمع.. بالرغم مما نعلمه جميعاً من مدي الاصرار والتحدي لدينا للنبوغ في شتي المجالات.. ولدينا الأمثلة عديدة.. لعميد الأدب العربي.. وأنا واحدة من هؤلاء.. ولدي العديد من الصديقات اللاتي نجحن في إثبات امكاناتهن في مجالات عدة.. فمنهن خريجة الاعلام التي اقتحمت هذا المجال ونجحت فيه بذكائها وتفوقها وحسن خلقها ومظهرها.. ورغم هذا لم تحصل علي حقها العادل في فرصة زواج مناسب رغم بلوغها سن ..37 ومنهن من بلغن سن 33 وحاصلة علي ليسانس آداب قسم لغة عربية ودبلومة دراسات اسلامية.. والأخري خريجة الآداب قسم عبري وتعمل بمجال الاتصالات.. وغيرهن الكثيرات من الأمثلة المشرفة في كل المجالات.. وليس المجال العلمي فقط.. فالذي لا يعرفه الكثيرون ان الفتاة الكفيفة قادرة علي ان تكون زوجة وأماً وربة منزل صالحة وماهرة وأنها تجيد أعمال المنزل من طهي وكي وتنظيف بمهارة تفوق المبصرة أحياناً.. لرغبتها في الاعتماد علي نفسها لاثبات ذاتها واكتسابها اللغات ومهارة التعامل مع التكنولوجيا الحديثة كالكمبيوتر والإنترنت.
ومن أمثلة المعاناة التي نلقاها في حياتنا ما مررت به وأود ان أعرضه عليك.. كي تعلم يا سيدي مدي القهر والظلم والألم الذي تمر به الكفيفات والذي لا تصفه الكلمات ولا تعبر عن مدي صعوبته.. فمثلاً بالنسبة للتجارب المؤلمة التي مرت بي- فقد تقدم للارتباط بي العرسان منذ كنت بالمرحلة الثانوية ولكن- بكل أسف- من هم؟؟ الأول كان رجل أعمال ثرياً للغاية في السبعين من عمره.. والثاني رجل أعمال شابا وسيما وكان علي وشك الزواج بفتاة أخري غير جميلة ويريد الزواج مني كي نعيش نحن الاثنان معاً بنفس الشقة وعلي نفس فراش الزوجية.. وكانت وجهة نظره أنها- أي الفتاة الأولي ستضطر لعدم جمالها إلي قبول زوجة ثانية معها وأنا أيضاً سأضطر للموافقة نظراً لظروفي.. أما الثالث فكان مدير حسابات بأحد السنترالات وعمره ستة وخمسين عاما وكان متزوجاً ويعول ابناً في مثل عمري.. وكان صديقاً للعائلة ويقرض الشعر.. وكان لي ولع بالشعر فكتب لي قصيدة بعنوان "أتمني أن أكون فتي أحلامك" ثم عرض علي ّ الزواج.. وآخر غني يكبرني ب 25 عاماً وعلي ذمته ثلاث زوجات ويريد الرابعة صغيرة السن ومتعلمة مثلي.. وآخر دكتور جامعي 55 عاماً متزوج وله ابنان في مثل عمري.. وآخر متزوج ويعول وطلب مني الزواج في السر.. وعميد شرطة كانت لديه مشاكل في علاقته الحميمية بزوجته ونصحه الطبيب باللجوء إلي أخري كي تنصلح أحواله.. فلم يرد اللجوء للحرام وفكر ف ي الزواج مني مؤقتاً وفي السر.. مما أصابني بالهلع والغثيان.. ثم بائع الخضروات واللبان ولا مانع أيضاً من السماك واخرون من كبار السن والأميين والمتزوجين.. هذا بالاضافة إلي زميل الدراسة وكان شاباً في مثل ظروفي وكنا علي وشك الارتباط لولا اعتراض أسرته علي ارتباطه بكفيفة مثله.. فخضع لأمر أسرته ولم يصمد ولم يتمسك بي مثلما كنت أرجو.. وآخر فنان كانت له مثل ظروفي وكان ينتظره مستقبل مرموق لولا أنه انسحب من المجال مبكراً.. وكان يعتقد أنني أمتلك أموالاً طائلة فكان سيرتبط بي علي هذا الاعتقاد.. ولما اكتشف أننا أسرة متوسطة عادية رفض بشدة الارتباط بي.
وكذلك من يتقدمون لأختي منهم زوج الاثنين لا يكاد يجد قوت يومه.. وغيره الذي يكبرها بأربعين عاما.. وأخيراً من هو في سن والدها وكان صاحب ورشة أمل.. وقد كنا سنوافق به نظراً لعدم إتمامها تعليمها لولا خضوعه لسيطرة وتحكم أولاده وزوجاتهم لافشال الارتباط قبل ان يبدأ وكان قلقهم في ا لمقام الأول علي شقة والدهم الذي اذا تزوج بأختي بعد والدتهم فسيخسرون الشقة.. والطريف والمبكي في آن واحد.. أنه عندما تقدم لطلب يدها سأل سؤالاً بريئاً وهو "يا تري هي ممكن تخلف؟؟" فنجده قد ربط كف بصرها بعدم قدرتها علي الانجاب مستقبلاً.
أما عني.. فقد تمت خطبتي مرة وقمت بفسخها.. وكان شاباً يصغرني بقرابة العامين.. ومبصرا وكان يدعي أنه يعمل محاسباً بشركة استثمارية.. واكتشفت بعد ذلك انه مندوب مبيعات بها.. وقامت الشركة بطرده بسبب عدم أمانته علي أموالها.. وكانت والدته تدعي أنها داعية اسلامية وتقوم بتوفيق راغبي الزواج لوجه الله.. وهذا سبب معرفتي بها.. فقد كانت تبحث عن عروس لابنها ثم رآني مصادفة فطلب الارتباط بي وبعد خطبة استمرت ثلاثة أشهر.. اكتشفت أنه ارتبط بي لأبحث له عن وظيفة مرموقة بمرتب مغر من خلال علاقاتي الطيبة المتشعبة.. وليسحب مني مبالغ علي فترات بحجة أنه سيقيم مشروعا صغيرا.. وحاول أيضاً بما أنني كفيفة ان يستغل الموقف ويسرق تليفوني المحمول.. ولكن الله سلم وكشف لي هؤلاء الناس مبكراً.. وان والدته ليست داعية اسلامية كما تشيع.. وأنها تزوج الناس بمقابل.
كل هولاء وغيرهم كثيرون يا سيدي.. ممن يتقدمون لي ولصديقاتي من المتعلمات أو غير المتعلمات.. ويعتقدون ان مجرد تفكيرهم في الزواج ممن لهن مثل هذه الظروف.. يستدعي منهن ان يوافقن علي الفور مع السجود لله شكراً علي أن أحداً يعاملهن علي أنهن بشر وطلب الزواج منهن.. وهذا خلاف الحقيقة.. لأننا نبحث عن التكافؤ والمنطق في الزواج ومن يتقي الله فينا.. ولنا أحاسيس ومشاعر ومتطلبات عادية كباقي البشر.. مستعدون للقيام بواجباتنا مثل باقي البشر.. وفي النهاية أود ان أذكر لك نصيحة بعض الناس لنا كي نجد فرصة ارتباط بزوج صالح ومناسب.. وهي ان نقوم بالتنازل لأقصي درجة.. ودون حدود.. والقبول بأي عريس يتقدم لنا مهما كانت ظروفه تحت دعوي "حتي لا يفوتكم القطار" وأنا أري لابد فعلاً من التنازل قليلاً.. ولكن ليس بهذا الشكل.. فما المانع مثلاً ان نرتبط بانسان أرمل.. أو مطلق دون أطفال لظروف ما.. أو أعزب يكبرنا بسنوات قليلة.. أو انسان لديه إعاقة خفيفة.. وهذا يعوض ذلك.. لكن لا يمكن التنازل للارتباط مثلاً بانسان متزوج بالفعل.. أو كبير في السن.. أو أمي.. إلا اذا كانت ظروف الفتاة مماثلة له.
وأحب أن أؤكد مرة أخري ان الفتاة الكفيفة فتاة كباقي الفتيات تصلح ان تكون زوجة مخلصة تتقي الله وأما صالحة وأنها إنسانة كباقي البشر تشعر وتحب وتتجاوب بأحاسيسها وقلبها وعقلها.. وليس بعينيها.. فكم من البشر رزقهم الله نعمة البصر وحرمهم نعمة البصيرة والاحساس وتحمل المسئولية. فالله سبحانه وتعالي يعوض الكفيفة بأكثر مما حبا به البشر من ذكاء ومهارات وقدرات ومشاعر رقيقة جياشة وأحاسيس فياضة.. وتحتاج في النهاية إلي رجل يحتويها ويتقي الله فيها.. وتأكد يا سيدي أنها لو وجدت هذا الرجل فإنها سوف تعطيه أضعاف ما يتوقعه منها.. وتسعده أضعاف الزوجة العادية.. ولا تكون عبئاً عليه.. بل سنداً ومعيناً له.
أخيراً باسمي وباسم كل فتاة كفيفة أشكرك علي اهتمامك وعلي منحك هذه الفرصة لنا لكي نفضفض قليلاً عما يجول بقلوبنا.. وعلي طرح قضيتنا العادلة في بابك الشهير بمناقشة المشكلات التي تهم كل أفراد المجتمع.